Publié le 07-11-2024
العقوبات البديلة في تونس: خطوة نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية
تشهد تونس تحولاً ملحوظاً نحو تبني العقوبات البديلة كجزء من استراتيجية جديدة تهدف إلى تحديث منظومة العقوبات وتحقيق إصلاح شامل في المجتمع. هذا التوجه يعتبر خطوة جريئة تهدف إلى التقليل من الأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن عقوبات السجن التقليدية، وتعزز إعادة تأهيل المحكومين خارج أسوار السجون.
وفقا لرضا زغدود المستشارالسابق للسجون و الإصلاح ، فإن العقوبات البديلة تشكل وسيلة فعالة للردع والإصلاح، كما تساعد على تقليل الضغط على المؤسسات العقابية.
أنواع العقوبات البديلة
تشمل العقوبات البديلة عدة أشكال، أبرزها العمل لصالح المصلحة العامة. يتم تكليف المحكومين بالقيام بمهام مفيدة للمجتمع في إطار مؤسسات عمومية أو جمعيات خيرية، مثل تنظيف الحدائق، وصيانة الطرقات، أو المشاركة في مشاريع بيئية. ويؤكد زغدود أن هذه المهام تُشرف عليها جهات قضائية لضمان تنفيذ العقوبة بالشكل الأمثل وتجنب أي استغلال للمحكومين. كما يساهم هذا النوع من العقوبات في تحقيق فائدة للمجتمع، ويتيح للمحكوم فرصة للتعلم واكتساب خبرات جديدة قد تكون مفيدة له مستقبلاً.
وقد تم تطبيق هذا النظام بنجاح في بعض المحاكم التونسية، منها محكمة الاستئناف بسوسة، حيث يتم تنفيذ العقوبة بإشراف قضاة مختصين. تُظهر التجربة أن العديد من المحكومين أبدوا تعاوناً والتزاماً واضحين، مما يؤكد فعالية العقوبات البديلة في تحقيق أهدافها. بعض المحكومين تمكنوا لاحقاً من الحصول على فرص عمل دائمة في المؤسسات التي عملوا بها كجزء من عقوبتهم، مما يدل على أن العقوبات البديلة تفتح أفقاً جديداً لإعادة دمج المحكومين في المجتمع.
التحديات والتطبيق
رغم فعالية العقوبات البديلة، إلا أن تطبيقها يواجه بعض التحديات. في المقام الأول، تقتصر العقوبات البديلة على الجرائم غير الخطيرة، فلا يتم تطبيقها على مرتكبي الجرائم الجسيمة التي تتطلب عقوبات رادعة كالسجن. كما أن اختيار العقوبة البديلة يعتمد على تقدير القاضي الذي يأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية للمحكوم وطبيعة الجريمة المرتكبة. كذلك، ينبغي أن يكون المحكوم موافقاً على تنفيذ العقوبة البديلة، إذ أن التزامه شرط أساسي لضمان نجاح هذه العقوبة في تحقيق أهدافها.
من جهة أخرى، هناك نقاش حول الحاجة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العقوبات البديلة. العديد من المواطنين قد لا يدركون الهدف الإصلاحي من وراء هذه العقوبات، ويرون فيها مجرد تساهل مع الجناة. ومع ذلك، تهدف الحكومة والجهات القضائية إلى نشر ثقافة العقوبات البديلة كوسيلة لتحقيق عدالة إصلاحية، تركز على إعادة تأهيل المخالفين بدلاً من الاقتصار على العقاب الصارم.
نحو إصلاح مجتمعي شامل
إلى جانب التخفيف من اكتظاظ السجون، تلعب العقوبات البديلة دوراً مهماً في تحقيق إصلاح مجتمعي أعمق. فهي تشجع المحكومين على تحمل المسؤولية تجاه المجتمع، وتوفر لهم فرصة للتفاعل الإيجابي مع الآخرين، كما تساعدهم على تجنب الانخراط مجدداً في سلوكيات قد تؤدي بهم إلى الانحراف. ويعتبر زغدود أن الهدف الأسمى من العقوبات البديلة ليس فقط تطبيق العدالة، بل أيضاً تحقيق نفع عام يعود بالفائدة على المجتمع بأسره، فضلاً عن إعادة بناء ثقة المحكومين بأنفسهم.
بفضل هذه العقوبات، يمكن للمحكوم أن يشعر بأنه قادر على المساهمة في إصلاح نفسه وتقديم خدمات نافعة للآخرين، مما يخفف من حدة العقوبة ويعزز الجوانب الإنسانية في منظومة العدالة التونسية. بهذه الطريقة، تسعى تونس إلى تعزيز فلسفة العقوبات البديلة كوسيلة لتحقيق توازن بين الردع والإصلاح، وتطبيق العدالة بشكل أكثر إنسانية ومواكبة للتطورات المجتمعية الحديثة