Publié le 31-01-2025
ارتفاع تكلفة شحن السيارات الكهربائية وصيانتها يحدّ من انتشارها في تونس
تطمح تونس، في ظل التوجه العالمي للتخفيض من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلى دعم أسطول النقل العمومي والخاص، بالسيّارات الكهربائية أو الهجينة (تجمع بين محرك احتراق ومحرك كهربائي).
وتسعى، في إطار جهودها لتحقيق انتقال إيكولوجي في قطاع النقل والتخفيض من استعمال المحروقات، إلى توفير خمسة آلاف سيّارة كهربائية. ستوجه ألف سيّارة منها للقطاع العمومي وأربعة آلاف سيّارة للأسطول الخاص وتركيز ستين نقطة شحن موزّعة على مختلف الجهات، بحلول سنة 2026. وترمي هذه الجهود، في مرحلة ثانية، إلى إدماج خمسين ألف سيّارة كهربائية وخمسة آلاف نقطة شحن، في أفق 2030.
لكن، وإن كان هذا الإنتقال جيّد حفاظا على البيئة والتقليص من استهلاك الوقود الأحفوري، ستؤدي إلى فقدان وظائف وحرف، خصوصا، في مجال إصلاح وصيانة السيّارات والحرف الكلاسيكية اليدوية في المسابك والحدادة، وستجبر بعض المهن على التأقلم من خلال إعادة التأهيل والتكوين، بحسب دراسات وخبراء.
ومقارنة بالسيّارات ذات المحرّك الحراري، تحتوي السيّارات الكهربائية على مكوّنات أقل بكثير من تلك الموجودة بمحرّكات الاحتراق. وتتطلب الصناعة التي تعمل بالطاقة الكهربائية يد عامل أقل بكثير مقارنة بتلك التي تعمل بالمحروقات. وتعد السيارات الكهربائية، كذلك، صديقة للبيئة بالنظر إلى مساهمتها في التلوّث ضئيلة مقابل إطلاق المحركات الحرارية لثاني أوكسيد الكربون والنيتروجين المتسببة في الإحتباس الحراري.
في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بهذا الشأن، أكّد رئيس الغرفة الوطنية لميكانيك السيّارات التابعة للإتحاد التونسي للصناعة والتجارة، يوسف رابح، ضرورة أن تهيىء الدولة الأرضية، قبل كل شيء، للإنتقال الإيكولوجي في قطاع النقل، سواء عبر تكوين المهنيين والحرفيين أو عبر تركيز شبكة من نقاط الشحن الكهربائي للسيّارات، معتبرا أنّه من « المبكر جدّا الحديث عن خسارة وظائف أو خلق أخرى مع قدوم السيّارات الكهربائية إلى السوق المحليّة ».
ولازال التونسيون، غير متحمسين لاستخدام السيّارات الكهربائية، بالنظر إلى أسعارها المرتفعة، ففي استطلاع لمعهد « إمرود للاستشارات »، لرصد تطور سوق السيّارات في تونس، أكّد 49 بالمائة من المستجوبين أن سعر الشراء هو المعيار الرئيسي، الذي يؤثر على اختيار السيّارة. ويتراوح سعر السيّارات الكهربائية، التّي يتم بيعها في السوق التونسيّة بين 16 ألف دينار (سيّارة تونسيّة الصنع صغيرة الحجم) و500 ألف دينار لماركات السيّارات الفارهة.
وأظهر الاستطلاع ذاته، أنّ 20 بالمائة، فقط، من العيّنة المستجوبة أبدت إستعدادها لاقتناء سيّارة كهربائية على المدى القصير، في حين قال، 80 بالمائة، ممن شملهم الاستطلاع أنهم يأخذون تكلفة الصيانة في الحسبان عند شراء سيّارة كهربائية. ويفضل 47 بالمائة من الأشخاص المستجوبين اقتناء سيّارة تعمل بمحرك احتراق، وأفاد 17 بالمائة، أنّهم سيختارون سيّارة هجينة قابلة للشحن.
وبخصوص تأثير الانتقال الإيكولوجي في قطاع النقل، قال رئيس الغرفة الوطنية لميكانيك السيّارات، أن بعض المهن مثل مهنة الميكانيكي في تونس، التّي لا تزال كلاسيكية ستضمحل شيئا فشيئا، بالنظر « إلى عزوف الشباب ونظرتهم الدونية لهذه المهن ».
ودعا إلى رسكلة المهنيين والميكانيكيين الموجودين حاليا، نظرا إلى التطور، الذي تشهده صناعة السيّارات وانتشار التكنولوجيا وتكوين مكوّنين لضمان استمرارية مهنة الميكانيكي وتطويرها، بحسب المتطلبات العصرية، لافتا إلى غياب أرقام محيّنة بشأن عدد ورشات الميكانيك في تونس والتي قدرت بين 25 إلى 30 ألف ورشة في 2008، في كامل تراب الجمهورية.
« لقد قمنا بالفعل بالعديد من ورشات التكوين في الولايات مثل بنزرت وزغوان وصفاقس (جبنيانة)، في إطار برنامج التكوين والإدماج المهني بالشراكة مع منظمة « سويس كونتاكت » « ، وفق ما صرح به رابح، الذي يرى أن مسؤولية الميكانيكي، اليوم، أكبر لأن السيارات أصبحت باهضة الثمن ولابد من الحذر والحرفية والدراية، عند إصلاح أعطابها ». أما في ما يخص السيارات الكهربائية، قال المتحدث، أنها « بالفعل تتطلب مهارات أخرى ومهن أخرى مثل مهندسي سلامة التشغيل، ومهندسي إلكترونيات الطاقة، ومهندسي إلكترونيات المحركات ».
وعموما يرى يوسف رابح، أنّ مورّدي السيّارات في تونس « لابد لهم من التكيف مع عصر السيّارات الكهربائية وتكوين فنييهم، كما يجب تكوين مهندسي المستقبل في هذا المجال ». ففي فرنسا مثلا، أفادت دراسة أن الانتقال إلى استخدام السيّارات الكهربائية يهدد 20 بالمائة من الوظائف في قطاع السيّارات وأن وظائفا جديدة ستظهر في المصانع وغيرها.
انتشار التكنولوجيا يفرض التأقلم وإعداد مهن لسوق الشغل
رغم أنّ السيّارات الكهربائية تضم، أيضا، جانب ميكانيكي، تماماً مثل السيّارات، التّي تعمل بالاحتراق، فإن إصلاح بطارياتها ونظمها الكهربائية أو استبدالها، قد يكون أكثر تعقيداً وتكلفة. فالأنظمة الإلكترونية في السيّارات الكهربائية، بما في ذلك المحركات الكهربائية وأجهزة التحكم، تحتاج تدخلا،ً خاصا،ً كما تتطلب أنظمة الكبح المتجدّد، التي تستعيد الطاقة الحركية لإعادة شحن البطارية، ومعارف محددة، أيضاً. ويرى المهنيون أنّ عمليّات الاصلاح والصيانة ستستمر بالنسبة للإطارات لأنّ هذه الأخيرة تتآكل في السيّارات الكهربائية بسرعة أكبر بسبب الوزن الزائد للبطاريّات.
وبدا « فريد » وهو صاحب ورشة صيانة وإصلاح سيّارات بأحياء المنار بالعاصمة، متشائما، بشأن مهنة الميكانيكي، التّي قال أنها « مهددة بالإندثار ».
وقال أن الدولة خسرت الكثير بالتخلي عن التكوين المهني، الّذي كان مدرجا في المعاهد الثانوية، وكانت تتيح تكوينا جيّدا في مهن تحتاجها السوق الاقتصادية اليوم.
« أنا اليوم أقوم بكل الأعمال، التّي كان من المفروض أن يقوم بها المتدرب أو « الصانع » باللهجة التونسية، لان الشباب اليوم عازف تماما عن مهنة الميكانيكي وأغلبهم يسجلون في مراكز التكوين المهني الخاصّة ولا يستمرون لنيل شهائد، بل يفضلون العمل في المقاهي أو في خدمات التوصيل برواتب قد تصل إلى ألف دينار باحتساب الإكراميات، على العمل في ورشات الإصلاح والصيانة ».
ويعتقد صاحب الورشة، التّي تشغل حاليا تسعة أشخاص، « أن المستثمرين، الذّين كانوا يفضلون الوجهة التونسيّة لتوفر اليد العاملة، قد يجدون معضلة في توفيرها في المستقبل في قطاع الصيانة والإصلاح، وفي المقابل تمتلك تونس المهارات التقنية ولدينا المهندسين والقدرة على المنافسة في صناعة السيارات ».
أما بخصوص الانتقال إلى النقل الكهربائي، يرى « فريد » أن السوق التونسية تواجه، حاليا، مشاكل في السيّارات الهجينة، لأن نقاط الشحن غير متوفرة بالكم الكافي و »لا بد من إعداد البنية التحتية أوّلا ».
يذكر أن تونس، كانت قد اتخذت إجراءات في إطار قانون المالية لسنة 2024 ، لتعزيز التنقل الكهربائي وتشجيع التونسيين على اقتناء السيّارات الكهربائية، خصوصا، وأنّ السيّارات الخاصّة تمثل 60 بالمائة من أسطول النقل البري في البلاد.
وأقرّت في هذا الإطار، إعفاء السيّارات الكهربائية، من المعاليم الجمركية وتقليص الأداء على القيمة المضافة بالنسبة لهذا الصنف من السيارات، من 19 إلى 7 بالمائة، ومن معاليم الجولان، بنسبة 50 بالمائة.
ولتشجيع الأفراد على الانخراط في هذا المسار من التنقل الكهربائي والإيكولوجي، تم أيضًا، تخفيض الأداء على القيمة المضافة المطبقة على أجهزة الشحن المنزلي للسيّارات والدرّاجات النارية، بموجب قانون المالية 2024، من 19 إلى 7 بالمائة.